لقد و رثت الدولة الجزائرية غداة الاستقلال مؤسسات مالية و مصرفية تابعة للأجنبي، لذلك لم تتمكن من مسايرة متطلبات التنمية المنشودة للاقتصاد الجزائري الناشئ،و من تم عملت السلطات الجزائرية على بذل مجهودات جبارة لبعث التنمية في جميع المجالات و منها النشاط المالى و المصرفي فخلقت بعض المؤسسات الضرورية و التي لا غنى عنها بالنسبة لإقتصاد أي دولة ،و حاولت التكيف مع البعض الآخر كما أممت البعض منها و أنشأت في آخر المطاف نظاما مصرفيا جزائريا ينسجم ومتطلبات التنمية المنشودة.
النظام المصرفي الجزائرى خلال الفترة 1962 ـ 1969.
إن أهم ما ميز الاقتصاد الجزائرى غداة الاستقلال هو التبعية شبه المطلقة للاقتصاد الفرنسى، فضلا عن هشاشة هياكله الأساسية و انعدام البعض منها و تخلفها بشكل عام،فقد كان الاقتصاد الجزائر يفتقد إلى أدنى شروط التنمية ، حيث كانت جل المعاملات تتم مع المتعاملين الفرنسيين، كما المؤسسات الموروثة عن الأجنبي لم تتمكن من مواصلة نشاطها بسهولة و يسر، و لعل من أحد الأسبا ب الأساسية التي عرقلة استمرار نشاطها هو عدم توفرها على مصادر تمويل احتياجاتها و سيرورة عملياتها الإنتاجية. كل تلك الأمور دفعت بالسلطات الجزائرية مند حصولها على الإستقلال بتاريخ 05 جويلية 1962 إلى العمل على كسر أواصر التبعية للاقتصاد الفرنسي في كل المجالات و النواحي و ذلك تبعا لما جاء به ميثاق برنامج طرابلس. و من تم فقد عرف الجهاز المصرفي في الجزائري عدة تطورات قبل أن يصل إلى ما هو عيه الآن.
فمن الإجراءات الأولى التي اتخذتها الحكومة الجزائرية في مجال النقد و المال هو إنشاء الخزينة الجزائرية ثم إنشاء البنك المركزى الجزائري بمقتضى القانون رقم 44/62 الصادر بتاريخ 13 ديسمبر 1962، الأمر الذى مكن المؤسسات الجزائرية من تجاوز العقبات المالية التي واجهتها بعد الاستقلال مباشرة. و من أجل التخلص من تقاعس البنوك الأجنبية القائمة في الجزائر في مجال مد المؤسسات الاقتصادية الجزائرية بما تحتاجه من تمويلات لأنشطتها المختلفة، فقد عملت السلطة الجزائرية على خلق مؤسسة مؤهلة لذلك و هي الصندوق الجزائري للتنمية و ذلك عام 1963.
و يتلخص نشاط هذا الصندوق في حشد الموارد المالية ذات المصادر المحلية(خزينة الدولة) و تلك ذات المصادر الخارجية(خاصة من فرنسا في المرحلة الأولى) من جهة ، و توجيه تلك الموارد إلى تمويل الاستثمارات طويلة المدى بشكل خاص.
كما بادرت السلطات الجزائرية إلى اتخاذ إجراء هام، ألا و هو حصر عملية الاستيراد و العمل على مراقبة الصرف الأجنبي،و كل ذلك بهدف التحكم في الموارد المالية للدولة و العمل على تعبئة و تخصيص تلك الموارد بشكل رشيد.مما دفعها إلى إنشاء مؤسسة تعمل في هذا الاتجاه وهو الصندوق الوطنى للتوفير و الاحتياط الذى دعم نشاط شركة التأمين و إعادة التأمين و كذا الشركة الجزائرية للتأمين وذلك مند سنة 1963 .
لقد استطاعت السلطة الجزائرية من استكمال سيادتها الوطنية بإصدارها للعملة الوطنية ممثلة في الدينار الجزائري الذى ظهر إلى الوجود مند سنة 1964 حيث حددت قيمته ب 18 غرام من الذهب و هي قيمة مساوية للفرنك الفرنسى آنذاك.و قد تولى البنك المركزى الجزائري إدارة و إصدار النقود الوطنية مند إنشائها.
و أمام استمرار تعنت و تشدد البنوك الأجنبية في مجال تمويل المؤسسات الاقتصادية الوطنية، لجأت السلطات الجزائرية إلى اتخاذ إجراءات تنسجم و طبيعة المرحلة التي يمر بها الاقتصاد الجزائري الناشئ و كذا طبيعة التوجه الاقتصادي و السياسي المنتهج في فترة الستينيات،تمثلت هذه الإجرات بشكل خاص في مصادرة و تأميم الكثير من المؤسسات المالية و المصرفية و من تم إنشاء نظام مصرفي وطني، و لعل أولى تلك الإجراءات تأسيس البنك الوطنى الجزائري سنة 1966 من جراء تأميم مجموعة من البنوك الأجنبية منها القرض العقاري الجزائرى،و كذا القرض الشعبي الجزائري، و في سنة 1967 تم إنشاء البنك الخارجي الجزائري على نفس المنوال.
البنك المركزي الجزائري:يتضح من العرض السابق بيانه أنه تم إنشاء مؤسسة إصدار النقد الوطنى وفق هيكل تنظيمي يؤمن التعاون الفعال بين السلطات العمومية و البنك المركزي في إطار القانون62 - 441 المؤرخ في 13 ديسمبر 1962 ، وهكذا أصبحت إدارة البنك المركزي مؤمنة من طرف محافظ معين بمرسوم من رئيس الدولة و باقتراح من وزير الاقتصاد، يساعده في ذلك مدير عام معين أيضا بمرسوم من رئيس الدولة باقتراح من المحافظ ذاته و بموافقة وزير المالية.
أما عن الهيكلة الإدارية لبنك المركزي فتضم تشكيلة عريضة فهي تشمل بالإضافة إلى المحافظ و المدير العام ما يلى:
ـ أربعة عشر مستشارين ، يتم اختيارهم نظرا للمهام العليا التي يمارسونها سواء في الإدارات الاقتصادية أو المالية للدولة أو الهيئات العمومية و شبه العمومية المختصة في مجال النقد و المال و المساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد بشكل عام.
ـ اثنين إلى خمسة مستشارين يتم اختيارهم بناء على خبراتهم المهنية الميدانية لا سيما في مجالات الفلاحة ، الصناعة و التجارة.
ـ اثنين إلى ثلاثة مستشارين يمثلون الهيئات العمالية، يتم اختيار أحدهم من بين مستخدمي البنك المركزي.
من هذه التشكيلة يتضح مدى شموليتها لمختلف ممثلي الحياة الاقتصادية الأمر الذي ينبئ بمدى أهمية القرارات التي تتخذ داخل هذه المؤسسة.
و لعل من المهام الأساسية المناطة بهذه المؤسسة وفقا للقانون المنشئ لها أنها تسهر على تنظيم التداول النقدي في الاقتصاد ، و كذا تسيير ومراقبة توزيع الائتمان بكل الوسائل المناسبة ، و ضمن السياسة الاقتصادية المنتهجة منم قبل السلطات العمومية، و كذا الحرص على تحقيق الاستقرار الداخلي و الخارجي للعملة. و قد جعلت هذه الصلاحيات من البنك المركزى المحور الأساسي للنظام المصرفي بصفته بنكا احتياطيا و جهاز للإدارة و مراقبة الإئتمان.
كما حدد القانون الأساسي للبنك المركزى الجزائري العمليات المنشئة للنقد و التي يمكنه القيام بها، فبالإضافة للعمليات على الذهب و العملات الأجنبية يسمح القانون الأساسي للبنك المركزي بإعادة الخصم للبنوك التجارية و خصم السندات العمومية خاصة، كما يمكنه قبول إدخال السندات الممثلة للقروض المتوسطة الأجل في محفظة الأوراق المالية للبنكو ذلك ضمن شروط معينة منها أن يكون الهدف من هذه القروض هو تمويل النشاطات الاستثمارية و تطوير و سائل الإنتاج.
و تجدر الملاحظة أ، نشأة البنك المركزى الجزائري لا يعنى زوال البنوك الأجنبية ، بل ظلت موجودة و تمارس نشاطها بشكل عدي، و لكن بوتيرة ضعيفة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إلى أن تم تأميمها بين سنة 1966 و سنة 1967. و منت م قد تميزت الفترة الممتدة من سنة 1963 إلى سنة1967 بتغير شبه جدري للنظام المالى و المصرفي الموروث عن الأجنبي .
البنك الجزائرى للتنمية: لقد أنشئ هذا البنك بتاريخ 07/05/1963 على شكل مؤسسة عمومية ذات شخصية معنوية و استقلال مالي، تحمل تسمية الصندوق الجزائري للتنمية،و بعد طرأت عليه تغييرات أساسية من الناحية التنظيمية خاصة مما أعيد تنظيمه على شكل بنك للتنمية.
وقد كان هذا البنك يعمل تحت وصاية وزارة المالية مباشرة ، حيث كلف بتمويل الإستثمارات المنتجة في إطار و المخططات الخاصة بالاستثمارات، و ذلك بما ينسجم و التوجهات الاقتصادية للدولة الجزائرية خلال تلك الفترة، و منتم تمكن هذا البنك من تغطية كافة النشاطات الأساسية من صناعة ، طاقة ،مناجم، سياحة و تجارة ..الخ.
البنك الوطنى الجزائري: بتاريخ 13 جوان 1966 تم إنشاء هذا البنك و ذلك من خلال تأميم بعض البنوك الأجنبية المتواجدة على التراب الوطنى الجزائري وهي:
ـ بنك التسليف العقاري الجزائري التونسي في شهر جويلية1966.
ـ بنك التسليف الصناعي و التجاري في شهر جويلية 1966.
ـ بنك باريس الوطنى وفلى شهر جانفي 1968
ـ بنك باريس و البلاد المنخفضة في شهر جوان 1968 .
و لعل من أهم الأنشطة التي يقوم بها هذا البنك إلى جانب العمليات المصرفية التقليدية هو تمويل القطاعات الإقتصادية العمومية سواء كانت زراعية أم صناعية.
القرض الشعبى الجزائري: بتاريخ 29 ديسمبر 1966 تم إنشاء هذا البنك ليخلف المصارف الشعبية التي كانت تنشط في الجزائر مند الاستعمار،و التي يمكن بيانها فيما يلي:
ـ البنك الشعبي التجاري و الصناعي الوهراني،
ـ البنك التجاري و الصناعي للجزائر،
ـ البنك الجهوي التجارى و الصناعي لعنابة،
ـ البنك الجهوي للقرض الشعبي الجزائري.
حيث دمجت هذه المصارف و تم إنشاء على إنقاضها القرض الشعبي الجزائري في التاريخ المذكور أعلاه.و قد تم تدعيمه بضم البنك المصري في جانفي 1968 و كذا الشركة المارسلية للبنوك بتاريخ 30جوان 1968 و أخيرا ضم الشركة الفرنسية للتسليف و البنك في عام 1971.
لعل من أهم و ظائف القرض الشعبي الجزائري هي تمويل النشاطات الحرفية الخاصة و كذا تمويل القطاع العام خاصة في مجال السياحة و الأشغال العمومية و البناء و الري و الصيد البحري ، فضلا عن الأعمال المصرفية التقليدية.
بنك الجزائر الخارجي: أنشئ هذا البنك يتاريخ 01 أكتوبر 1967 من جراء تأميم بعض البنوك منها القرض الليوني بتاريخ 12/10/1967 و عام 1968 تم تأميم كل من الشركة العامة و بنك باركليز الفرنسي و كذا البنك الصناعي الجزائري و بنك البحر الأبيض المتوسط و بنك تسليف الشمال.
لقد تخصص هذا البنك عند نشأته في تمويل العمليات مع الخارج، بالإضافة إلى العمليات المصرفية التقليدية.
النظام المصرفي الجزائري بين الفترة1970-1986
ابتداء من الإصلاح المالي لسنة 1971 أصبح القطاع المالي الجزائري يتميز بـ :
ـ التمركز،
ـ هيمنة دور الخزينة،
ـ التخصص الوهمي للبنوك التجارية.
ضمن هذا الإطار تم إرساء القواعد الأساسية لتمويل قطاع الإنتاج ، حيث أصبحت الخزينة تلعب دورا أساسيا في هذا المجال، و أصبح هناك اعتماد كلي على الخزينة في مجال التمويل، التي تتكفل بتحديد مصادر تمويل مختلف الاستثمارات المخططة.
و من الناحية العملية نجد نتائج هذا الإصلاح متعددة، حيث أدت إلى الانتقال التدريجى للمنظومة المالية إلى وصاية و زارة المالية، و انكمش معها دور البنك المركزى بصفته بنك البنوك و وضع السياسة النقدية بما ينسجم و متطلبات الإقتصاد، و انحصر دوره في عمليات السوق النقدية، بل الأمر أكثر من هذا حيث أصبح عرض النقد يقرر في الخطط المركزية بما يخدم خزينة الدولة باعتبارها الوسيط الأساسي للدولة.
في عامي 1978 و 1979 تقرر مراجعة المخططات الإنمائي للفترة السابقة ، مما انبثق عن ذلك فكرة إعادة هيكلة المؤسسات العمومية الوطنية بهدف إعطائها نوعا من الاختصاص في نشاطها ، و انبثق عن كل ذلك :
بنك الفلاحة و التنمية الريفية: الذي أنشئ بتاريخ 13 مارس 1982 خصيصا لتمويل الأنشطة الفلاحية و التقليدية عامة و يمكن بيانها فيما يلي:
ـ تمويل هياكل و أنشطة الإنتاج الفلاحي و كل ما تعلق بهذا القطاع،
ـ تمويل هياكل و أنشطة الصناعات الفلاحية،
ـ تمويل هياكل و أنشطة الصناعات التقليدية و الحرفية.
و في نفس الإطار لقد تمخض عن سياسة إعادة هيكلة المؤسسات العمومية جملة من المصاعب المالية ، مما تطلب الأمر إعادة هيكلتها ماليا بالإضافة إلى إعادة الهيكلة العضوية، و ذلك اقتضى إجراء تطهير مالي للمؤسسات العمومية ، تمخض عنه ظهور بنك جديد ينشط على المستوى المحلي و هو :
بنك التنمية المحلية: بتاريخ 30 أفريل 1985 تم إنشاء بنك محلى سمي بنك التنمية المحلية، يهتم بشكل خاص بتمويل الأنشطة المحلية منها:
ـ عمليات الاستثمار الانتاجي المخططة من طرف الجماعات المحلية،
ـ عمليات الرهن ،
كما يقوم بجميع العمليات المصرفية التقليدية خاصة الإيداع.
بناء على العرض السابق ، يتضح ضمنيا أن الآليات التقليدية للسياسة النقدية خلال الفترة (62-85) كانت تستعمل في مجالات ضيقة جدا إن لم نقل كانت معطلة،و ذلك تبعا لمتطلبات تلك المرحلة وبما ينسجم و التوجه الإقتصادى المنتهج.فتكلفة القرض كانت تحدد إداريا،حيث تحدد وزارة المالية كل من سعر الفائدة و العمولات المستحقة للبنوك و المرتبطة بالقروض، كما أن سعر إعادة الخصم عرف استقرارا كبيرا أو بالأحرى ثباتا طيلة الفترة الواقعة بين سنة1972 و سنة 1986 و هو مايقدر بـ 2.75% ، و لم يرتفع هــــذا المعدل إلا في شهر أكتوبر من سنة 1986 أين إنتقل إلى 5% ثم إلى 7 %عام 1989 ، الأمر الذى لم يشجع معه النشاط المصرف خاصة في مجال حشد المدخرات الخاصة.
كما تم تسجيل نوع من تداخل الصلاحيات فيما يتعلق بالرقابة على نشاط البنوك التجارية المعروفة بأنها من اختصاص البنك المركزى، إلا أنه نجد في الواقع هذه الوظيفة تقاسمها البنك المركزي مع البنك الجزائري للتنمية التي أنيط لها مهمة مراقبة مدى تطابق التمويل المتوسط الأجل للإستثمارات المخططة، باعتباره مطالب بإعادة خصمه للبنوك التجارية.
نتيجة لكل ذلك، بالإضافة إلى بروز بعض المؤشرات التي توحي بحدوث اختلال على مستوى الجهاز المالي ككل، مما دفع بالسلطات العمومية للدولة إدخال بعض التعديلات في المجال المالى و المصرفي ،منها:
ـ إيقاف القرض المتوسط الأجل كآلية لتمويل بعض القطاعات كالسياحة بناء على تعليمة من وزارة المالية،
ـ إدخال مفهوم الإستثمار العام اللامركزي ، بناء على تعليمة صادرة من المجلس الوطنى للتخطيط،
ـ إلغاء تعيين المحل الوحيد للمؤسات من طرف المجلس الوطني للتخطيط و العمل بقاعدة تجسد لامركزية كل مشروع استثماري عام يمول ذاتيا.
بالرغم من كل ذلك كانت هذه الإصلاحات قاصرة، و نجاعتها محدودة للغاية،الأمر الذى بات معه إجراء إصلاحا عميقا مطلبا أساسيا للمنظموة البنكية الجزائرية، و قد بدأ في تجسيد ذلك مند سنة 1986 بصدور قانون البنوك و القرض و كذا القانون المتعلق بتوجيه المؤسسات العمومية، ليأتي بعد ذلك القانون المتعلق بالنقد و القرض سنة 1990.
الإصلاحات الأساسية للنظام المصرفي الجزائري مند سنة1986.
تاريخيا عرف النظام المصرفي الجزائري عدة إصلاحات كان أهمها ما حدث سنة 1986 و كذا سنة 1990 و ما جاء بعدها بشكل خاص، تلك الإصلاحات شكلت مرحلة حاسمة في تاريخ الجزائر الاقتصادي ، حيث وضعت أسس و قواعد التحول إلى اقتصاد السوق.
ـ 1ـ مرحلة التحول إلى اقتصاد السوق مند إصلاح عام 1986 .
لقد أظهرت التغييرات التي أدخلت على النظام المالي الجزائري خلال فترة السبعينيات و بداية الثمانينيات محدوديتها، و عليه أصبح لزاما إدخال تعديلات جوهرية على هذا النظام بما ينسجم و التطورات الاقتصادية المحلية و العالمية، و ذلك سواء من حيث منهج التسيير أو المهام المنوطة بالجهاز المالي. فسنة 1986 سجلت محاولة بلورة نظاما مصرفيا مبنى على أساس الأخذ بالتدابير التجارية اللازمة في مجال متابعة القروض الممنوحة، و تطبيق كافة الإجراءات الوقائية لضمان إسترجاع القروض الممنوحة.
في الوقت ذاته تمكن البنك المركزي من استعادة صلاحياته فيما يتعلق بتطبيق السياسة النقدية بمختلف أدواتها بما فيها تحديد سقوف إعادة الخصم المفتوحة لمؤسسات القرض.
كما أعيد النظر في العلاقة التي تربط خزينة الدولة بالبنك المركزي، حيث أصبح القروض الممنوحة للخزينة تنحصر فيما يقرره المخطط الوطنى للقرض.
و مند سنة 1988 شرعت الجزائر في تطبيق برنامج إصلاحي و اسع النطاق ، شمل مختلف القطاعات الاقتصادية خاصة ماتعلق منها بالمؤسسات الاقتصادية العمومية، حيث منحها القانون رقم:88-01 استقلالية في التسيير، كما أقر مفهوم الفائدة و المردودية التجارية، و أضفي الصفة التجارية على كافة المؤسسات الإقتصادية العمومية، حيث اعتبرها مؤسسات ذات شخصية معنوية تسيرها قواعد القانون التجاري، و تم تمييزها عن الهيئات العمومية الأخرى بصفتها أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام و مكلفة بتسيير الخدمات العمومية.
و عليه فإن ممتلكات البنوك أصبحت بموجب هذا القانون قابلة لإجراءات تحصيلية كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات التجارية ذات رؤوس الأموال الخاصة.
فبناء على هذا القانون(88-01)أصبحت مؤسسات القرض عبارة عن مؤسسات عمومية اقتصادية مستقلة في مجال تسييرها و في علاقاتها بالمؤسسات العمومية الإقتصادية الأخرى تلك العلاقة التي أصبحت تخضع لقواعد المتاجرة و للقواعد التقليدية التي تقود البنوك إلى اقتصاد السوق.
و على الرغم من كل ذلك، فإن هذه الإصلاحات على أهميتها أصبحت لا تنسجم و متطلبات المرحلة الجديدة للاقتصاد الجزائري ، و قد كان من المقرر أن يكون هناك إصلاحا مستمرا للجهاز المصرفي وفقا للتطورات الاقتصادية المحلية و للمحيط الخارجي، من خلال إصدار قانون متعلق بالنقد و القرض و الذي تجسد فيسنة1990 و عرف بشكل خاص بالقانون الأساسي للبنك المركزي الجزائري و بنظام البنوك و القرض في الوقت ذاته.
2 ـ الإصلاحات الأساسية بعد سنة 1990 (قانون النقد و القرض):
إن هذا القانون منح للبنك المركزي استقلالية نسبية خاصة في مجال تعيين مسييريه و شروط ممارسة وظائفهم،حيث يقوم المحافظ بمساعدة ثلاثة نواب و مجلس النقد و القرض و مراقبون بتولي شؤون المديرية و الإدارة و المراقبة على التوالى،فالمحافظ يعين بمرسوم من طرف رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات و كذا الحال بالنسبة لنواب المحافظ و لكن لمدة خمس سنوات و لا تجدد مدة و لايتهم إلا مرة واحدة، و لا يمكن إقالتهم من مناصبهم إلا بمرسوم رئاسي في حالة ارتكابهم لخطأ فادح أو نتيجة عجزهم.كل تلك القضايا تعطى لإدارة البنك ضمانا للاستمرارية و الاستقرار في العمل بما يمكنها من تأدية أعمالها و تطويرها بكل ما تملك من كفاءة.
مجلس النقد و القرض الذى يرأسه محافظ البنك المركزي يتضمن نواب ثلاثة و ثلاثة موظفين سامين يختارهم رئيس الحكومة بناء على خبرتهم و كفاءتهم في الشؤون المالية و الاقتصادية.يعمل هذا المجلس تارة بصفته مجلس لإدارة البنك المركزي و تارة أخرى بصفته سلطة نقيد للدولة ، لذلك فهو ملزم بالسهر على خلق الظروف المناسبة للقرض و للصرف الأجنبي قصد ضمان الاستقرار النقدي الداخلي و الخارجي.
كما أن بنك الجزائر أصبح بنكا للحكومة حيث تقوم باستشارته بالنسبة لكل مشروع قانونى أو نص تنظيمي متعلق بشؤون النقد و المال، و يمكن للبنك إقتراح أي إجراء من شأنه التأثير على إيجابيا على و ضع ميزان المدفوعات، و على الوضعية المالية للدولة، و البنك ملزم باطلاع الحكومة على كل مستجد في مجال النقد.
ـ استقلالية البنك المركزي: إن مفهوم الاستقلالية للبنك المركزي تقاس من خلال المهام المناطة بها و بالأهداف التي تصبو إلى تحقيقها،فالسلطة النقدية ممثلة في مجلس النقد و القرض تعمل على تحديد المعايير و ضمان التنفيد
تنظيم التداول النقدي في الاقتصاد (الإصدار النقدى)،
ـ تحديد المعايير و الشروط الخاصة بعمليات البنك المركزي ( الخصم ، إعادة الخصم،إيداع و رهن السندات العمومية و الخاصة ..الخ )،
ـ تحديد الأهداف الخاصة بتطور مكونات الكتلة النقدية و حجم القرض،
ـ وضع الشروط الخاصة باعتماد البنوك و المؤسسات المالية،
هذا مع العلم أن مجلس النقد و القرض يتمتع بكل الصلاحيات الخاصة بأية سلطة نقدية، كتحديد القواعد و النسب المطبقة على البنوك و المؤسسات المالية،لا سميا في مجال التغطية و توزيع أخطار السيولة و الملاءة .
و عليه فإن هذا القانون مكن من خلق منظومة مالية ومصرفية تعمل في بيئة تنافسية و في محيط تكتنفه الكثير من المخاطر بالارتباط و الآليات التي تحكم النشاط المصرفي التجاري و التي أقرها نظام النقد و القرض لسنة1990 ، و هو ما تطلب تفعيل النشاط المصرفي و المؤسسات المالية عامة في مجال نشاطها في ظل بيئة تتطلب الكثير منم الحيطة و الحذر.
إن القانون لم يترك هذه المؤسسات تعمل وفق قانون الغاب ، بل كلف هيئة أسند لها مهمة الرقابة على نشاط البنوك التجارية و المؤسسات المالية ألا و هي:
ـ اللجنة المصرفية:
إن المهمة الأساسية للجنة المصرفية المحدثة بموجب القانون90/10 تتمثل في أحكام رقابة صارمة على نشاط المؤسسات المصرفية و المالية ، حيث تسهر التطبيق الحسن للقوانين و الإجراءات المنظمة للمهمنة المصرفية و التطبيق الفعلي للأوامر و القواعد المعمول بها في هذا المجال ،و من تم يمكن لها أن تعاقب تلك المؤسسات التي تنحرف في عملها عن تلك القواعد و التشريعات المنصوص عليها بقوة القانون.و في هذا الشأن قد منحت هذه الجنة صلاحيات واسعة في مجال الرقابة بالمعنى الواسع دون تحديد معناه بشكل دقيق، الأمر الذي منحها سلطات واسعة في مجال الرقابة و مكنها من تنظيم عملها بكل يسر و سهولة و تكيفه مع التطورات التي عرفها التنظيم المصرفي ذاته، و كل ذلك بهدف تفادى كل ما من شأنه أن يسيء للسمعة المالية للمؤسسات المصرفية خاصة و يمكنها من تفادى حالات العسر المالي،و عدم الكفاءة في التسيير.
و اللجنة المصرفية تلعب دورا أساسيا في الحفاظ على الوضعية المالية الجيدة للمؤسسات المالية و المصرفية و من تم نلاحظ بأن لها دور وقائي من خلال ممارسة مهامها الرقابية التي توصف في الغالب الأعم بأنها غير منتظمة،و هو مايبرز واضحا من خلال المواد الواردة في قانون النقد و القرض.
و على الرغم من كل ذلك فهذه الرقابة فعالة في مجال تفادى الأخطاء قبل حدوثها ، و تمكين البنك من اتخاذ قرارات صائبة تجنبه الوقوع فيما لا يحمد عقباه.
تتجلي مراقبة التسيير من خلال تقدير تقدير شروط تسيير المؤسسات المصرفية، و كذا متابعة وباستمرار مدى إيفاء البنوك بالمتطلبات التي يفرضها القانون و نظام بنك الجزائر لممارسة النشاط المصرفي، و لعل من بين هذه المتطلبات نذكر:
ـ نسبة الأموال الخاصة إلى إجمالي الالتزامات،
ـ معامل السيولة على مستوى البنك،
ـ نسبة الأموال الخاصة إلى إجمالي القروض،
ـ نسبة إجمالي الودئع إلي إجمالي القروض،
ـ توظيفات الخزينة،
ـ المخاطر المصرفية بشكل عام.
و لتدعيم السلطة الرقابية لهذه الجنة فقد خول القانون لها الحق بمطالبة أي بنك باتخاذ أي تدبير من شأنه أن يصحح أوضاعها و يساعدها على تحسين أساليب التسيير. و بشكل عام فإن اللجنة تسهر على التطبيق الحرفي للقواعد الاحترازية المنصوص عليها في قانون النقد و القرض و تلك المفروضة من قبل بنك الجزائر خاصة في مجال تغطية الأخطار ،ز تصنيف الديون حسب درجة الخطر المحتمل و تشكيل احتياطي لمواجهة ذلك.و في هذا الشأن كان لزاما على هذه الجنة أن تسهر على وجوب إحترام البنوك لما يلي بشكل خاص:
ـ الحد الأقصى للعلاقة بين جميع الأخطار المحتملة و قيمة الأموال الخاصة،
ـ الحد الأدنى بين قيمة صافي أموالها الخاصة و جميع الأخطار المحتملة.
السوق النقدية: لقد تم احداث سوقا نقدية سنة 1989 مما فتح المجال أمام المؤسات المالية غير المصرفية للتعامل فيها بصفتها مقرضة للأموال الفائضة عن حاجاتها،و قد سمحت هذه العملية التي كانت حكرا على الخزينة العامة للدولة لمدة من الزمن للبنك المركزى بمراقبة هذه السوق من خلال الرقابة على أسعار الخصم التي أصبحت أعلى من أسعار الفائدة.
إن الرقابة الكيفية على الائتمان التي يقرها القانون رقم 90/10 تكون لها صفة الرقابة غير المباشرة لكونها لا تخص الرقابة على حجم الائتمان في حد ذاته بل تكون عبر سقوف عملية إعادة الخصم بهدف إعادة تمويل البنوك التجارية من طرف البنك المركزي.
وفي هذا المجال يمكن للبنك المركزي أن يعيد خصم السندات المنشأة لتشكيل قروض متوسطة الأجل لمدة لا تتجاوز الستة أشهر، كما يمكن للبنك المركزي خصم سندات تمثل قروضا موسمية أو قروض قصيرة الأجل .و في نفس المجال يؤسس البنك المركزي السوق المفتوحة لممارسة عملية بيع و شراء السندات العمومية،التي تكون قصير الأجل في الغالب (ستة أشهر) و كذا السندات الخاصة القابلة لإعادة الخصم من طرف البنك المركزي .
و بموجب القانون 90/10 تم وضع حد للعلاقة القائمة بين الخزينة و البنك المركزي من خلال وضع سقف أعلى لمكشوف الحساب الجاري للخزينة لدى البنك المركزي بنسبة 10% من اجمالي إيرادات الخزينة للسنة المالية المنقضية،كما تم تحديد آجال قصوى مدتها خمس عشر سنة لإعادة تسديد الديون المستحقة على الخزينة للبنك المركزي.
و تجدر الملاحظة أنه في إطار نفس القانون تم السماح لإنشاء بنوك و مؤسسات مالية خاصة سواء كانت وطنية أم أجنبية أو مختلطة،و من تم نشاـ الكثير من البنوك و المؤسسات المالية منها:
ـ بنك البركة الجزائري الذي أنشأ على شكل شركة بين مجموعة البركة السعودية و بنك الفلاحة و التنمية الريفية الجزائري،
ـ سيتي بنك الأمريكية ،
ـ البنك العربي للتعاون (البحرين)،
ـ ريان بنك (القطري)،
ـ ناتكسيس و سوسيتي جنيرال الفرنسية،
و بنوك خاصة ذات رؤوس أموال وطنية أمثال بنك الخليفة سابقا،و البنك التجاري و الصناعى الجزائري ...الخ.
و تجدر الإشارة إلى وجود بروتوكول تم الإتفاق عليه سنة 1998 بشأن استمرار الإصلاحات المصرفية و الذي يقضي بوضع شبكة بنكية مشتركة مختصة في إرسال المعطيات بين القطاعات المالية و البريد و الموصلات لتقليص آجال معالجة و تحصيل كل العمليات و الصفقات فيما بين البنوك